في تصنيف ثقافة بواسطة (1.3مليون نقاط)

قضية الإنتحال في الشعر الجاهلي؟ 

دراسة قضية الانتحال تعنى دراسة هذه الظاهرة في عصر الجاهلية وغيرها ومدى وجود الوضع في الشعر العربي، وحقيقتة وأسبابة، وأثارة والنتائج المترتبة علية، حيث وقد تصدى العلماء لها عموما إلا أن هذه القضية اشتهرت لصلتها بالعصر الجاهلي وشعرة وما حصل فية من وضع واختلاق، وقد درسة العلماء قديما وحديثا، فأما في القديم فقد درسه ابن سلام الجمحي (ت : ۲۳۱ هـ) في كتابه طبقات فحول الشعراء دراسة تفصيلية موضوعية، وأما في الحديث فقد درسة المستشرقون والباحثون العرب في كتبهم وبحوثهم ومقالاتهم. 

الفرق بين النحل والانتحال والوضع :

النحل والانتحال والوضع مصطلحات تدل في أصل معناها على التزوير وتزييف الحقائق والنحل في الشعر : نسبة الشعر إلى غير قائله الحقيقي، والانتحال : أن يدعي رجل شعر غيرة وينسبة إلى نفسة، قال الأعشى :

فما أنا أم انتحالي القوا في بعد المشيب كفى ذاك عارا، والوضع أعم منهما سواء كان نحلا أو انتحالا ، وقضية الانتحال في المصطلح الشائع تعني: القضية التي تتعلق بوضع الشعر ونسبته إلى غير ما هوله مطلقا، فهي ليست متعلقة بنسبة الشعر إلى النفس وهو للغير فقط، وإنما هي نسبة إلى الغير مطلقا. 

فالأدب الجاهلي هو أدب قديم، كان يلقى، وينشد ويحفظ، ويروى عن طريق المشافهة، والروايات الشفهية، ولم يدون إلا بعد زمن طويل وكل أثر لة قيمته وأهميته وتكتنفه مثل هذه الظروف، يكون عرضة للشك والاتهام، والقيل والقال، والظن، والطعن في أصله، ونسبه، وأصحابه، وصحته وصدقه، وقيمته، وحجمه، ونقصه، والزيادة علية وما إلى ذلك مما قد يعرض لفكر الإنسان وعقلة من شكوك وظنون حينما يتصدى لدرس أثر من الآثار لم ينل من وسائل المحافظة علية والاحتياجات الدقيقة ما يكفل له البقاء سليما صحيحا، والأدب في كل أمة من الأمم، وبخاصة ما فيه من نصوص رائعة، من الآثار الفنية الممتازة، التي تعتز بها الأمم وتفتخر، وتعتبرها دليل مجدها، وسجل مفاخرها، ومن ثم تعرضت الآداب القديمة في كل الأمم للشك والاتهام، ورمي كثير منها بالاختلاق والافتعال فاتهم الأدب الجاهلي بالوضع والانتحال، وحدث مثل هذا للآداب القديمة الأخرى كالآداب اليونانية والرومانية والإنجليزية، فقد رمى كل أثر من هذه الآثار القديمة الخالدة، بأنه ليس لأصحابه الذين يدعى أنه لهم، وأنه دخله كثير من التحريف والتزييف والادعاء، فليست الأمة العربية أول أمة رمي أدبها الجاهلي القديم بالوضع والانتحال، وإنما الأمم الأخرى رميت آدابها القديمة بمثل هذا الاتهام. والأدب بعامة، والشعر منه بخاصة، كانت العرب في جاهليتها وإسلامها تكبرةوتجلة وكانت له منزلة سامية في نفوسهم، وكانت القطع الرائعة فيه تحظى بالعناية والاحترام، وكان أصحابها يلقون منهم مهابة وإجلالا، لذلك نتوقع أن تكون الروائع الأدبية محلا للادعاء، فيدعي أكثر من واحد أنها له، وكانت القبائل تعتز بما لها من نتاج أدبي، وتتيه على غيرها بالكثير المحفوظ لها منه، ويعتز السادة بما قيل فيهم وفي أسلافهم من روائع القول وفصيح البيان، فتسابق الكل في جمع ما كان لهم ولذويهم وأسلافهم من آثار، وأحس الرواة هذا الاهتمام من الجميع، فتسابقوا هم كذلك، في الجمع والرواية، وتنافسوا في الإكثار من ذلك ليفوق كل منهم سواء في الحظوة، والمنزلة، والمكافأة وبطبيعة الحال نتوقع كذلك أن يتطرق إلى الأدب شيء من الدخيل، أو ما يظن أنه دخيل، ولم تكن هذه الملاحظة لتغيب عن الثقات من العلماء والرواة والباحثين منذ جمع الأدب الجاهلي وتدوينه، فقد تنبهوا إلى ذلك ووقفوا على كثير من النصوص التي ليست أصيلة، فعرفوها، ولم يقبلوها، واستطاعوا أن يميزوا بين الأصلي والمختلق، ويتبينوا الصحيح من الزائف، وكتب الأدب والتاريخ مملوءة بذكر ملاحظات هؤلاء الثقات وتنبيهاتهم من الرواة أمثال المفضل والأصمعي وأبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة معمر بن المثنى. من ذلك مثلا، ما روي عن أبي عبيدة أنه قال: كان فراد بن حنش من شعراء غطفان، وكان جيد الشعر قليله، وكانت شعراء غطفان تغير على شعره، فتأخذه وتدعيه". ويروى أن أبا عمرو بن العلاء، ذكر أن ذا الإصبع العدواني قال يرثي قومه : وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض إذا يفعل شيئا ما له يقضى وما يقضي جديد العيش ملبوس ... وقد يوشك أن ينضي ثم نص على أنه لا يصح من أبيات ذي الإصبع التضادية هذه إلا الأبيات التي أنشدها، وأن سائرها منحول. 

ابن سلام وقضية الانتحال في الشعر الجاهلي:

وكان محمد بن سلام المتوفى سنة ٢٣١هـ أول من درس قضية الانتحال وآثارها في كتابه طبقات فحول الشعراء إذ أورد فيه كثيرا من الملاحظات والآراء التي تدل على دراسة :

أولا: أقر ابن سلام بالوضع في الشعر الجاهلي ووجوده فيه بشكل لافت، فقال : وفي

الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه، ولا حجة في عربية، ولا أدب يستفاد، ولا معنى يستخرج، ولا مثل يضرب، ... إلى آخر كلامه ، ثم أشار إلى انتشار هذه الأشعارمن كتاب إلى كتاب، وعدم تفحص بعض العلماء فيها، ونشرها على حالها. ثانيا : ذكر ابن سلام أسباب الوضع والانتحال في الشعر الجاهلي، وأرجعها إلى سببين رئيسين:

العصبية القبلية : فهي من الأسباب التي دعت بعض القبائل إلى وضع الشعر، ونسبتها إلى شعرائها في العصر الجاهلي ؟ لأنها استقلت شعرها بالمقارنة بأشعار القبائل الأخرى، 

يقول ابن سلام : فلما راجعت العرب رواية الشعر، وذكر أيامها ومأثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم، وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قوم قلت وقائعهم، وأشعارهم، فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على السنة شعرائهم . الرواة الوضاعون : يقول ابن سلام :ثم كانت الرواة بعد، فزادوا في الأشعار التي قيلت وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين:

قسم يجيد الشعر ويحسن نصه، فينظم الأشعار ويضيفها إلى الجاهلين، وهؤلاء أمثال خلف الأحمر البصري، وحماد الراوية الكوفي.

وقسم لا يجيد الشعر ولا يحسن نظمه، وإنما يؤتى له بالشعر المنحول فيرويه في كتبه، وهؤلاء هم رواة السير والأخبار، كابن إسحاق في السيرة النبوية . وقد نقده ابن سلام نقدا شديدا

حيث قال : وكان ممن أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحاق بن يسار وكان أكثر علمه بالمغازي والسير وغير ذلك، فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها ويقول : لا علم لي بالشعر، أتينا به فأحمله، ولم يكن ذلك له عذرا. 

ثالثا: ذكر ابن سلام أن هذا الشعر المصنوع لا يخفى على العلماء بالشعر وان أشكل عليهم أحيانا، فقال :وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل بهم أن يقول الرجل من أهل البادية من ولد الشعراء، أو الرجل ليس من ولدهم، فيشكل ذلك بعض الأشكال .

وقال أيضا:وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم والصناعات من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا تعرفه بصفة ولا وزن، دون المعاينة ممن يبصره فكذلك الشعر يعلمه أهل العلم بةرابعا ذكر ابن سلام علماء اللغة ورواة الأشعار بإسهاب، ومقدرتهم على الشعر، وتمكنهم منه، ومعرفتهم جيده من ردينة، وصحيحه من سقيمه، وصحته من كذبه، وأغلبهم النحاة وعلماء اللغة، وذلك لما لهم صلة مباشرة قوية بالشعر لما يحتاجون إليه في الاستشهاد وتقعيد القواعد، ولاسيما في ذلك الوقت المبكر الذي كان وقت تدوين علوم العربية.

فذكر أبا الأسود الدؤلي، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن أبي إسحاق، وأبا عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر، ويونس والخليل، ثم ختم الكلام بذكر خلف الأحمر وفراسته بالشعر والأصمعي، وأبي عبيدة، وكلهم من البصرة، ولم يذكر من غير أهل البصرة إلا المفضل الضبي، إذا نستخلص إلى أن ابن سلام اعترف بوجود الانتحال في الشعر الجاهلي، ووجود أشعار لافتة ليست منه، كما ذكر أسباب ذلك وعلماءه، إلا أنه ركز على أنه ليس يخفي على علماء اللغة والشعر، ومن لهم اهتمام بهذا الفن أوان أشكل عليهم ذلك أحيانا بعض الإشكال. 

ولم يكن ابن سلام أول من أشار إلى هذه القضية، فقد سبقه إلى ذلك المفضل الضبي ،والأصمعي، وبعض الشعراء كبشار بن برد كما أشار إلى هذه القضية ابن هشام صاحب السيرة النبوية، إذ تعقب ابن إسحاق فنقدالشعر الذي جاء به في السيرة النبوية، وأشار إلى نقد العلماء له، وكذلك فعل ابن النديم، إلا أن ابن سلام درس هذه القضية دراسة فنية، وحاول أن يبين أهم ما يتعلق بهذه القضية. 

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (1.3مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
قضية الإنتحال في الشعر الجاهلي

اسئلة متعلقة

1 إجابة
سُئل أبريل 21، 2023 في تصنيف ثقافة بواسطة تزودنا (1.3مليون نقاط)
مرحبًا بك إلى تزودنا، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...